الباب الأول
المقدمة
أ. خلفية المسألة
ما كانت صناعة الأدب كصناعات الفن من الجمادات السكنات التي لم تزل تقع في غرفة و وقت واحد بعدم تحرك، إنما هي نظم اصطلاحي واعتيادي امتلئته بالقوة المحركة (Dynamics). إن صناعة الأدب كصناعة الفن التي تحتاج إلى وسيلة في تعبيرها، وهي اللغة. أما اللغة والفن فلم يزل يتحرك بين القطبين المتضادين، وهما: القطب الهدفي والقطب الفاعلي، ومن ثم نتقف على أن صناعة الفن –قصد هنا بصناعة الأدب- من تفاعل الأديب مع ما حوله من الوقائع الاجتماعية.[1]
إن الأدب الذي يفرزه الفنان لا يمكن فصله عن حياته وهمومه وأفكاره وعقيدته. وجمهور القصة جمهور واسع، ولا بد أن ينبض الفن القصصي بآمال الناس وأحلامهم وآلامهم، كالمسرح تماما. والخروج عن هذا التصور يعزل القصة أو على الأقل يجعلها تقتصر على الجانب الترفيهي والتسلي، وبرغم أهميته ليس كل شيء. ولقد قال تولستوى (Tolstoi) [2]: "الفن أسلوب خاص في نقل تجربتنا الفردية والاجتماعية إلى الآخرين، بما في ذلك إدراكاتنا وميولنا ومفاهيمنا وإرادتنا ومعتقداتنا".[3]
لا يمكن افتراق صناعة الأدب عن العالم الواقعي، وجودها مستند على ما يتحدث عما حول صانعها- الأديب- من الوقائع الاجتماعية والثقافية والسياسية والتجربات في حياته. ومن ثم ليست صناعة الأدب أمرا بسيطا يمكن له تفسير واحد، وإنما هي تعبير حياة المؤلف. وكذلك ما يبدو في هذه الرواية، أن رواية "عصفور من الشرق" هي مما عبره توفيق الحكيم كصانع هذه الرواية من تجرباته الحيوية المرة، وتسمى هذه الرواية رواية التجربة الذاتية.[4]
وكذلك رواية "عصفور من الشرق"، ظهرت هذه الرواية في سنة 1938. واختلافا عن سائر الروايات العربية، كانت رواية "عصفور من الشرق" التي عين فرنسا موضع حكايتها قد ترجمت إلى عدة لغات منها الفرنسية والأندونسية وما إلى ذلك. حاولت هذه الرواية إعلام القراء بأن مجال الأدب الشرقي واسع ولم يزل يستطيع إبراز ثقافة وحضارة محلية فحسب. بهذه الرواية حاول المؤلف إثراء ثقافتنا عما خارج بيئتنا على طريق إبراز حضارتين، الشرقية والغربية.
في لمحة توفيق التاريخية التي كتبها إسماعيل أدهم[5]، نري أن العوامل التي أثرت على حالة توفيق النفسية وموقفته الخلقية هي كما يلى: في أيام طفولته كان توفيق تحت ضغط أمه التي كانت صارمة الطباع، تعتز بعنصرها التركي أمام زوجها المصري، وتشعر بكبرياء لا حدّ لها أمام الفلاحين من أهله وأقاربه.[6] وفي أيام شبابه خاب هيامه لامرأة اشتد حبه إليها. وعند بلوغه تورط توفيق في ثورة مصر الكبرى في سنة 1919 ولذا حبس توفيق في السجن حبسة مؤقة، وأخذ توفيق يركز نفسه في المسرحية بعد أن خرج من السجن. لكن للمرة الثانية من حياته أصاب توفيق خيبة الهيام ولم يزل يعزب حتى آخر حياته.
هذه الرواية على سيطرة موضوع الحب فيها بين "محسن" كبطل الرواية وبين "سوزى" –فتاة فرنسية عاملة في شباك التذاكر بدار السنيما أوديون-، نرى هناك موضوعا أخر سيطر حبكة هذه الرواية. بدى ذلك في الحوار الذي لم يزل يبرزه المؤلف بين بطل الرواية مع صاحبه "إيفانوفيتش" –عامل عجوز روسي وهو ملحد- عن الشرق وحضارته الروحية المسعدة وعن الغرب وحضارته المادية المضنية. وذا هو موضوع رئيسي في هذه الرواية. وبذلك نرى أن للمؤلف في هذه الرواية نظرة عالمية أو إيديولوحيا جاهدها أشخاص هذه الرواية وكيلا للمجتمع الذي عاش حوله.
وبالإضافة إلى الفقرة الأخيرة المذكورة، أرادت الباحثة أن تحلل ما يتعلق بهذه الرواية من التركيب الداخلي والتركيب الخارجي. وكل هذا على اعتبار ما قاله Sapardi Joko Pradopo، من المفروض في كشف العوامل الاجتماعي في صناعة الأدب أن يبدأ بنصها، وهذا الأساس معروف بالدراسة الاجتــماعيــة الأدبـية (Literary Sociology). فضّلت هذه الدراسة نص الأدب كالظاهرة الأولى لتستعمله في استفهام الظواهر الاجتماعية خارج صناعة الأدب.[7]
ب. تحديد المسألة
انطلاقا من نظرية خلفية البحث ترى الباحثة بالحاجة إلى تحديد البحث لأن يكون البحث واضحاً بيناً ولا يكون توسيعاً مبهماً على العكس. البحث في هذا البحث تحت العنوان "رواية عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم، دراسة تحليلية بنيوية تكوينية".
وبناء على خلفية البحث لخصت الباحثة بأن المسالة الأساسية بهذا البحث هي معرفة نظرية توفيق الحكيم العالمية التي جاهدها أشخاص رواية "عصفور من الشرق"، ومن ثم جعلت الباحثة تحديد البحث الذي أرادته الباحثة إجابته في البحث وليكون البحث سهلا موجّها إلى تصنيف المسألة فيما يلى:
1. ما هي العناصر الداخلية في رواية "عصفور من الشرق" وكيف العلاقة بين العناصر فيها (دراسة بنيوية)؟
2. كيف كانت سيرة حياة توفيق الحكيم ونظرته العالمية التي جاهدها أشخاص هذه الرواية؟
ج. أغراض البحث و منافعه
وبعد أن شرحت الباحثة خلفية البحث، وتحديد البحث فطبعاً هناك الأغراض التي أرادت بها الباحثة بوصلها إليها، وقد غرضت الباحثة على النوع الآتي:
1. الدراسة عن العناصر الداخلية في رواية "عصفور من الشرق" سواء فردية أو مكونة (دراسة بنيوية)
2. الدراسة عن سيرة حياة توفيق الحكيم وحالة الاجتماعية التي تلهم ظهور رواية "عصفور من الشرق" ونظرته العالمية التي جاهدها أشخاص هذه الرواية
فمن أهمية البحث هناك ما تكون علمية وما تكون عملية أو نظرية كانت أم تطبيقية، وعسى أن يكون هذا البحث نافعاَ على:
1. أن يكون هذا البحث تبرعاَ ومنحاَ لإدراك المجتمع بالإنتاج الأدبى فبالخصوص الأدب العربية.
2. عسى أن ينفع على المجتمع الأدبي العام في معرفتهم بالعمل والشغل الشرقي.
3. إثراء خزانة الأدب العربية العلمية في كلية الآداب بجامعة سونان كليجاكا الإسلامية الحكومية.
د. التحقيق المكتبي
أما البحوث والدراسات عن رواية "عصفور من الشرق" فقد وجدتها الباحثة، فمنها على النحو التالي:
1. "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم (دراسة تحليلية في الوجهة الداخلية) كتب هذا البحث ذات دراية في سنة 1990. هذا البحث ركز على العناصر الداخلية لرواية "عصفور من الشرق" فحسب. فأما العناصر الداخلية التي بحث عنها هذا البحث فهي شخصية هذه الرواية وحبكتها وأسلوبها.
2. الأفكار الدينية في رواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم (دراسة تحليلية سيكولوجية) كتب هذا البحث مفتاح الدين في سنة 1995 . البحث الرئيسي هو عن أفكار توفيق الحكيم الدينية والظاهرة الدينية في روايته "عصفور من الشرق".
3. قصة عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم (دراسة تحليلية سيمائية) كتب هذا البحث مفتاح العرفين في سنة 2000. وحللت القصة باعتبار عناصرها –موضوعها وشخصيتها وحبكتها وموضعها- سيمائية.
أحمد هيكل في كتابه "الأدب القصصي والمسرحي في مصر من أعقاب ثورة 1919 إلى قيام الحرب الكبرى الثانية" قد صنف رواية "عصفور من الشرق" من أحد الروايات التجربة الذاتية أي روايات تهدف ابتداء إلى عرض بعض التجارب الذاتية للمؤلفين.[8]
وبناء على ما ذكر من البحوث القادمة فلخصت الباحثة بأن البحث تحت العنوان رواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم بدراسة تحليلية بنيوية تكوينية لم يبحثها أحد طلاب كلية الأدب بجامعة سونان كليجاكا الإسلامية الحكومية من قبل، ومن ثم اختارت الباحثة هذا العنوان لبحثها الثمين هذا.
ﻫ. مناهج البحث
البحث هو النشاطة والعملية النظامية لحل المسائل بدعاية البيانات والمعطيات التي كانت هي أساسا في استخلاصها. كان البحث لاتصاله إلى قصده البديع فلا بد له أن يستخدم طريقة علمية.
علاوة على ذلك، لتحصيل على موضوعية الدراسة وتبعد عن الظن حتى يصح بتقديرها وتقويم مسئوليتها، أثبتت الباحثة مناهج البحث المناسبة في تدريس رواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، وكانت مناهج البحث على النحو الآتي:
أولا : نوع البحث و وصفه
يقام هذا البحث على أساس بحث مكتبي (Library Research) ومضى هذا أن المصادر في هذا البحث تحصل من أنواع عملية الكتابة، كتبا كانت أم مجلات أم الأعمال الأخرى.[9]
أما وصف هذا البحث فهو دراسة وصفية تحليلية (Deskriptif Analitik) لأن في بحثها ذكرت الباحثة جميع ما يتعلق بالمسائل الأساسية ثم حللتها بالتحليل البين.
ثانيا : مصادر البحث
استخدمت الباحثة المصادر في هذا البحث، ولا بد أن يضمن المصادر هنا على المصادر الرئيسية والمصادر الثانوية، أما بيانهما فكما يلي:
1. المصادر الأساسية هي المصادر التي تتعلق مباشرة بالبحث الذي تقوم به الباحثة. وهي رواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم و"الأدب القصصي والمسرحي في مصر من أعقاب ثورة 1919 إلى قيام الحرب الكبرى الثانية" لأحمد هيكل و"دراسات في القصة العربية الحديثة أصولها اتجاهاتها أعلامه" لمحمد زغلول سلام.
2. المصادر الثانوية هي المصادر التي تدعم على المصادر الرئيسية في عملية التحليل أو البحث. واستخدمت الباحثة معطيات وبيانات مساعدات كمصادر ثانوية من الكتب والمجلات والجرائد والأعمال الأخرى المتعلقة بموضوع البحث.
ثالثا : مناهج تحليل المعطيات و البيانات
1. استخدمت الباحثة منهج تحليل المحتويات(Content Analysis) في هذا البحث. وهو عملية تركيب المعطيات والبيانات وتحليلها.
2. استخدمت الباحثة المنهج الاستقرائي. فهو منهج لتحصيل الخلاصة على طريقة نظرية المنطقية الخاصة لتحصيل المنطقة العامة فيما بعد، أم استقراء القائم على التعميم.[10]
و. الإطار النظري
عند ماركس، لا بد للإنسان أن يحيى قبل أن يفكر، أما كيفية التفكير ونوع الفكرة فمرتبطة بكيفية الحياة، لأن المعبر وكيفية التعبير متوقفة على نوع الحياة وكيفيته.[11] ولا يظهر صناعة الأدب [12] من فراغ الثقافة، لكن ظهوره يتفاعل مع الأحوال. ومن ثم لا يمكن أن نفهم القصة تماما من النص قط ومستقلا عن الحالة الاجتماعية التي هي مظهر القصة وتاريخ حياة المؤلف في بيئته الاجتماعية. فإذن، النص وقرينته عنصران من عناصر الأدب لا يمكن فصلهما.
ومن احدى النظريات التي تستطيع على المقارنة بين التركيب الداخلي في صناعة الأدب (Intrinsic) والحالة الاجتماعية التي هي مظهر صناعة الأدب (Extrinsic) هي نظرية بنيوية تكوينية. ظهورها بتفاعل مع الدراسة البنيوية الأصلية بدفعها على الدراسة التاريخية والاجتماعية. ويقدم هذه النظرية الأديب الفرنســي لوجين جولدمان (Lucian Goldman)، هذه النظرية من فريد الدراسة التي لديها قدرة على إعادة بناء نظرة المؤلف العالمية.[13] ذكر جولدمان نظريته بـــ"بنيوية تكوينية" على المقصود بأن جولدمان يعتقد بأن النص الأدبي يبنى من البنية ولكن ليست بنية ثابتة، وإنما نتج من العملية التاريخية المتسلسلة، ومن عملية البناء وإعادة البناء المزدهرة، ويكترث لها المجتمع أصول الأدب المعين.[14] ومن ثم لا يمكن تحصيل المعنى المطلوب بفصل الأدب من المؤلف وحالة اجتماعيه.
فمن أهمية النص وقرينته اختارت الباحثة نظرية "بنيوية تكوينية" للوجين جولدمان أساس النظرية في هذا البحث. فهناك مجموع العناصر المرتطبة بعضها ببعض حتى تصوغ ما يسمى بــــ"بنيوية تكوينية" عند جولدمان، وتلك المقولات على النحو الآتي:
1. الواقعية الإنسانية (Humanism Fact)، وهي جميع النتائج الحيوية أم سلوكية الإنسان شفهية كانت أم طبيعية، التي يحاول علم المعرفة فهمها. ولقد كانت الواقعية بشكل الأنشطة الاجتماعية والسياسة أم من علوم الثقافة نحو الفلسفة والفن التصويري والنفس الأدبي.
2. فعال جمعي (Collective Subject)، من فعال الواقعية الاجتماعية، أو مجمع الأشخاص (Trans Individual). وخصص جولدمان بـــ"درجة الاجتماعية" عند ماركس على أن تلك الطائفة هي التي ثبت اختراع نظرية تامة للحياة والتي تؤثر ازدهار تاريخ الإنسان.
3. النظرة العالمية (World View)، التركيب والتركيبة. اعتقد جولدمان بوجود التشاكل بين تركيب صناعة الأدب وتركيب اجتماعي لأنهما من انتاج حيوية التركيبية السوية.ولم تكن العلاقة بين تركيب اجتماعي وتركيب صناعة الأدب علاقة مباشرة، لكن بوسيلة ما سمي بــــ"النظرة العالمية" أم "إيديولوجيا".
4. تركيب صناعة الأدب، لجولدمان صيغة التركيب الموضوعي، باهتمام العلاقة بين الأشخاص والشخص مع الموضوع حوله
5. جدلية التفهيم والتبيين، توافق المنهج الجدلي (Dialectic) والمنهج الوضعي (Positivistic) في بدء البحث وانهائه، يبتدأ ويؤخر بصناعة الأدب، وإنما المنـهج الوضـعي لا ينظر في التماسك التركيبي، أما المنهج الجدلي فينظره.[15]
بمجرد نظرية سابقة ترى الباحثة بصعبة تفهيم البيان المذكور، فمن ثم هنا نكتفي وراء منهج لورنسون (Laurenson) وسونجوود (Swingewood) الذي اتفق بهما جولدمان، فأما المناهج فعلى النحو التالي:
الأول، نستطيع أن نبتدئ الدراسة بأيدينا، في أول الأمر ندرس العناصر الداخلية بنية صناعة الأدب لتثبيت علاقات أجزائه إلى أن يكون اجماعا متحدا باسطا.
الثاني، المقارنة بين بنية القصة وحالة الاجتماعية مظهر صناعة الأدب، ثم تعلقها بالبنية الروحية التي تتعلق بـــ"نظرة المؤلف العالمية".
الثالث، استعمال طريقة استقرائية في ايجاد الجواب والخلاصة، فهو منهج تحصيل الخلاصة على طريق النظرية المنطقية الخاصة لتحصيل المنطقية العامة فيما بعد أم الاستقراء القائم على التعميم.[16]
تشرط جولدمان (Goldman) في نظريته أن تكون صناعة الأدب كهدف النظرية صناعة عظيمة (Masterpiece). وقصد به لأن تكون صناعة الأدب واسطة لواقعية جمالية (Fakta Estetik)، ومن ثم ينقسم جولدمان الواقعية الجمالية إلى قسمين، وهما علاقتان ظاهرتان على النحو الآتي:
1. العلاقة بين النظرة العالمية كالواقع الذي حدث في حياة المؤلف وبين العالم الذي ابتكره المؤلف في صناعته الأدبي.
2. العلاقة بين العالم الذي ابتكره المؤلف في صناعته الأدبي وبين الآلات الأدبية (قرينة النص) كالموضوع والحبكة والأسلوب. وهي من علاقة تركيب القصة المبتكرة في صناعة المؤلف.
ومن الممكن أن يلغو عن الشرط الذي قدمه جولدمان في نظريته "بنيوية تكوينية" بأن هدف نظريته لا بد من أن يكون صناعة عظيمة. لأن مصطلح " صناعة عظيمة" نسبي وغير مطلق، كانت صناعة الأدب تسمى بصناعة عظيمة عند ما حللها كثير من المحللين والباحثين فيها. ومن ثم عُدل مصطلح صناعة عظيمة بصناعة الأدب المتضمنة، لأن الصناعة المتضمنة محايدة ولم تحتكر الصناعات التسليات. ولذا من الممكن أن تحلل صناعات الأدب غير صناعات الأدب العظيمات وكذلك تصنّفها من الصناعات الجاذبات في تحليلها بنظرية بنيوية تكوينية للوجين جولدمان.[17]
ز. نظام البحث
تقسم البحث إلى ثلاثة أقسام، وهي المقدمة والبحث والاختتام. ولتوضيح صورة البحث جعلت الباحثة نظام البحث اجمالا على النحو الآتي:
الباب الأول : المقدمة
سمي عنوان هذا الباب بالمقدمة لاشتماله اجمالا على مضمون البحث وتقديما لما فيه قبل بيانه التفصيلي.
ويدخل تحتها خلفية المسألة، وتحديد المسألة، وأغراض البحث ومنافعه، والتحقيق المكتبي، ومناهج البحث، والإطار النظري، ونظام البحث.
الباب الثانى : توفيق الحكيم ورواية عصفور من الشرق
ويشتمل على ترجمة توفيق الحكيم، ورحلته الذهنية، ومؤلفاته: مسرحيات كانت أم الروايات أم الكتب الأخرى أم ما عدا ذلك، وما يتعلق برواية "عصفور من الشرق" من شكل رواية"عصفور من الشرق" واختصارها.
وكان لهذا الباب دور هام في هذا البحث، لأن من أغراض هذا البحث هي الدراسة عن سيرة حياة توفيق الحكيم وحالة الاجتماعية التي تلهم ظهور رواية "عصفور من الشرق" ونظرته العالمية التي جاهدها أشخاص هذه الرواية. ومن ثم، ترى الباحثة بالحاجة إلى تقديم هذا الباب قبل التحليل، بنيويا كان أو تكوينيا.
الباب الثالث : التحليل البنيوي لرواية "عصفور من الشرق"
يحتوى هذا الباب على تحليل موضوع رواية "عصفور من الشرق"، والشخص وشخصيتها، وموضعها، وحبكتها، والعلاقة بين العناصر.
كذلك لهذا الباب دور هام في البحث، لأن هذا البحث يستخدم نظرية بنيوية تكوينية للوجين جولدمان التي تقارن بين التركيب الداخلي في صناعة الأدب والحالة الاجتماعية التي هي مظهر صناعة الأدب كالتركيب الخارجي. ومن ثم وصلت الباحثة هذا الباب بالباب التالي الذي يحتوى على تحليل التركيب الخارجي.
الباب الرابع : التحليل البنيوي التكويني لرواية "عصفور من الشرق"
يحتوى هذا الباب على تناسق الرواية بترجمة حياة مؤلفها وتناسق الرواية بحالة زمانها الاجتماعية والتاريخية كمصدر رواية "عصفور من الشرق" وهي التي تلهم ظهور هذه الرواية، والتكوينية ونظرة توفيق العالمية التي جاهدها أشخاص هذه الرواية.
هذا هو نهاية البحث والأهم فيه، لاشتماله على معظم أغراض هذا البحث. واشتمل هذا الباب على اختصار تحليل عناصر القصة الداخلي وتحليل عناصرها الخارجي، ومن هذا التحليل حاولت الباحثة الوصول إلى معرفة نظرة توفيق العالمية التي جاهدها أشخاص هذه الرواية.
الباب الرابع : الاختتام
*****
الباب الثالث
التحليل البنيوي لرواية عصفور من الشرق
التحليل البنيوي هو العمل الأول ولا بد لفعله لمن أراد أن يفهم معنى العناصر الداخلية، العناصر الداخلية لا بد أن تفهم قبل تحليل عناصر الأخرى. تركيز التحليل البنيوي في التحليل البنيوي التكويني في هذا البحث هو العلاقة بين الشخص والأشياء حوله.[18] من هنا نعرف بأن جولدمان يريد منذ أول مرة أن يلائم التحليل الأول (التحليل البنيوي) بالتحليل التكويني الذي يركز تحليله في مناسبة النص الأدبي مع الحالة الاجتماعية مظهر النص الأدبي.
باعتماد على رأي Goldman، فأرادت الباحثة في هذا البحث أن تحلل رواية "عصفور من الشرق" بالطريقة البنيوية التي تشتمل على: (1) الموضوع (2) الشخص والشخصية (3) الحبكة (4) والموضع، وهي على النحو التالي:
الفصل الأول
تحليل موضوع رواية عصفور من الشرق
إذا سألنا ما معنى هذا النص الأدبي، فبالحقيقة سألنا أيضا عن الموضوع (Theme). فالموضوع عند Stanton و Kenny، هو المعنى المشتمل في القصة. فهناك معاني كثيرة في القصة، فالمشكلة بين معانيها الكثيرة هي أين معنى خاص يدل على الموضوع، أو إذا كانت المعاني فيها من جزء الموضوع –أو الموضوع الثانوي-، فإذن أين المعنى الرئيسي أو الخاص الذي يكون كذلك الموضوع الرئيسي لتلك القصة أو الرواية.[19]
الموضوع عند مجدى وهبه وكامل المهندس هو ما يدور حوله من الأثر الأدبي سواء أدلّ عليه صراحة أو ضمنا، ويستعمل هذا المصطلح لدى علماء اللغة بمعنى أضيق، هو الفكرة الجوهرية للمؤلف أو القضية العامة التي يدافع عنها الأثر الأدبي.[20]ومن دور الموضوع في القصة، أنه مساعد في تصوير شخصيات الأشخاص التي عرضها المؤلف في الرواية، في كل حوادث القصة وكذلك في توضيح عناصر القصة.
ولتحديد موضوع رواية "عصفور من الشرق" فحددت الباحثة الموضوع العام في هذه الرواية. وبعد أن قرأت هذه الرواية، فعرفت الباحثة أن الموضوع العام لهذه الرواية هو الحضارة، و الدليل على ذلك هو ذكر مصطلاحات متعددة في الحضارة، مثل مسجد السيدة زينب، السينما، بيتهوفن، سانفونية التاسعة، التياترو وما إلى ذلك. ومثل ما المراد من الحضارة هنا فيحتاج إلى استمرار البحث .
وإذا نظرنا القصة -شخص "محسن" والأشخاص الثانوية في هذه الرواية- فسوف ننظر كيف تعبير المؤلف –توفيق الحكيم- في تفضيل حضارة الشرق على حضارة الغرب وتمجيدها، نرى هذا في قطعة من القصة الآتية:
فتفكر الرجل قليلا، ثم قال كالمخاطب لنفسه:
- أنبيائكم أنتم؟!...نعم هذا من الجائز!...ان الشرق قد حل المعضلة في يوم ما، هذا ولا ريب فيه، إن أنبياء الشرق قد فهموا أن المساواة لا يمكن أن تقوم على هذه الأرض، و أنه ليس في مقدورهم تقسيم مملكة الأرض، بين الأغنياء والفقراء فأدخلوا في القسمة "مملكة السماء"، و جعلوا أساس التوزيع بين الناس "الأرض والسماء" معا: فمن حرم الحظ في جنة الأرض، فحقه محفوظ في جنة السماء!...هذا جميل!...ولو استمرت هذه المبادئ، وبقيت هذه العقائد حتى اليوم، لما غلى العالم كله في هذا الأتون المضطرم، ولكن "الغريب" أراد هو أيضا أن يكون له أنبياؤه الذين يعالجون المشكلة على ضوء جديد، وكان هذا الضوء منبعثا هذه المرة، من باطن الأرض، لا آتيا من أعالى السماء، هو ضوء العلم الحديث، فجاء نبينا "كارل ماركس"، ومعه إنجيله الأرضي:"رأس المال"، وأراد أن يحقق العدل على هذه الأرض، فقسم الأرض وحدها بين الناس، ونسي "السماء" فماذا حدث؟... حدث أن أمسك الناس بعضهم برقاب بعض، ووقعت المجزرة بين الطبقات تهافتا على "هذه الأرض"!!.[21]
ومضى "إيفان" يقول:
- الواقع والطرق العملية المباشرة؟! تلك بالضبط كل حياة الحيوان! الفاصل الوحيد بين الإنسان والحيوان هو الخيال، إن اليوم الذي يستطيع فيه الحيوان أن يحيا دقيقة واحدة، خارج الواقع والمادة، اليوم الذي يلجأ فيه الحيوان إلى طرق معنوية غير مباشرة للوصول إلى غاياته، اليوم الذي يستطيع فيه الحيوان أن يمضى الليل "يحلم" في غابته المقمرة بدلا من مطاردة الفريسة، هذا اليوم يكون آخر عهده بالحيوانية، "الحلم" هو العالم العلوي الذي لا يدخله حيوان! "لخيال" هو تاج السيادة والسمو الذي تميز به الإنسان!
وسكت لحظة، فقال "محسن":
- نعم، ولكن الواقع...
فانطلق الروسي:
- "الواقع"؟...الواقع...إنى لا أحترم الآن كثيرا هذه الكلمة!
ومر طيف "أندريه" مرة أخرى برأس الفتى...حقيقة أن صديقه الفرنسي هو الذي يذكر دائما هذه الكلمة، ولكن هذا الروسي الثائر، الواقف في منتضف الطريق بين الشرق والغرب، من يضمن لمحسن أنه على حق في كل هذه التصورات؟ وبدى الشك على وجه الفتى و قرأ "إيفان" ما يجول بخاطره.[22]
فقد عرفت الباحثة أن الموضوع الرئيسي لهذه الرواية هو: "تفضيل حضارة الشرق على حضارة الغرب وتمجيدها" هذا الموضوع الرئيسي يحدد من الموضوع الثانوي الآتي:
حب زائف أصابه الشخص الرئيسي،كانت قصته لا يقوم إلا بزمان قصير، وبعد أن يقوم في أسبوعين فالفراق هو أمر لا مردود.
أنانية الغرب التي صورها كثير من أشخاص هذه الرواية.
الحياة الدينية والسلوك الروحي الذي يقوم به أشخاص هذه الرواية.
[1] Sangidu, Beberapa Rumusan Masalah Sosiologi Sastra, dalam Jurnal Humaniora Baru Retorika, No. 1 (Yogyakarta: Program Magister Ilmu Religi dan Budaya Universitas Sanata Dharma, 1994), hlm. 51.
[2] تولسيوى (ليون) Tolstoi (1828-1910): كاتب قصصى روسى. حاول إصلاح المجتمع عن طريق العدل والمحبة وعدم العنف. صور العادات الروسية وانتقد المساوئ. أشهر رواياته: "الحرب والسلم" و"آنا كارينينا". أنظر، المنجد في اللغة والأعلام، (بيروت: دار المشرق، 1986) ص.184.
[3] نجيب الكيلانى، تجربيى الذاتية في القصة الإسلامية، (بيروت: دار إبن حزم للطباعة و النثر و التوزيع، 1991)، ص. 20-21.
[4] أحمد هيكل في كتابه "الأدب القصصى و المسرحى في مصر من أعقاب ثورة 1919 إلى قيام الحرب الكبرى الثانية، تصنف الروايات فيما يلى:(أ). الرواية التحليلية، ويشمل هذا الصنف رواية "ثريا" لعيسى عبيد، ورواية "رجب أفندى" لمحمود تيمور، ثم رواية " الأطلال" لأحمد هيكل، وأخيرا رواية "أديب" للدكتور طه حسين. (ب). رواية تجربة الذاتية، ويشمل هذا الصنف رواية "إبراهيم الكاتب" للمازنى، ورواية "سارة" للعقاد، ورواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، ورواية "نداء المجهول" لمحمود تيمور. (ﺟ). رواية الطبقة الاجتماعية، ويشمل هذا الصنف رواية "حواء بلا آدم" لمحمود طاهر لاشين، و"دعاء الكروان" لطه حسين. (د). الرواية الذهنية، وتمثل هذا الصنف رواية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم. (ﻫ). الرواية التاريخية، وتمثل صنفها رواية "ابنة المملوك" لمحمود فريد أبى حديد، و"عبث الأقدار" لنجيب محفوظ. أنظر، أحمد هيكل، الأدب القصصى والمسرحى في مصر من أعقاب ثورة 1919 إلى قيام الحرب الكبرى الثانية، (مصر: دار المعارف، 1979)، ص. 113.
[5] إسماعيل أدهم، توفيق الحكيم، (مصر: دار سعد للطباعة والنشر، 1945)، اقتبسه Helvy Tiana Rosa, Wanita yang Mengalahkan Setan, Taufik al-Hakim, Cerpen, dan Tokoh Setan, (Magelang: Tamboer Press,2002), hlm. 6-7.
[6] شوقى ضيف، الأدب العربى المعاصر في مصر 1850- 1950 م، (مصر: دار المعارف1957)، ص. 253.
[7] Sapardi Djoko Pradopo, Sosiologi Sastra Sebuah Pengantar Ringkas, (Jakarata: Pusat Pembinaan Bahasa Departemen Pendidikan dan Kebudayaan, 1979), hlm. 3.
[8] أحمد هيكل، الأدب القصصى و المسرحى في مصرمن أعقاب ثورة 1919 إلى قيام الحرب الكبرى الثانية، (مصر: دار المعارف، 1979)، ص. 174-191.
[9] Winarto Surachman, Pengantar Penulisan Ilmiyah, (Bandung: Tarsito, 1990), hlm. 133-136.
[10] يقول الجرجانى في كتابه "التعريفات" ان الإستقراء هو الحكم على كل لوجوده في أكثر جزئياته، وإنما قال في أكثر جزئياته، لأن الحكم لو كان في جميع جزئياته لم يكن استقراء بل قياسا مقسما. ويسمى هذا استقراء، لأن مقدماته لا تحصل إلا بتتبع الجزئيات كقولنا: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ لأن الإنسان والبهائم و السباع كذالك، وهو استقراء ناقص لا يفيد اليقين لجواز وجود جزئي لم يستقرئ و يكون حكمه مخلفا لما استقرئ كالتمساح فإنه يحرك فكه الأعلى عند المضغ. أما الإستقراء Induction كمصطلح منطقي عند المحدثين فتعريفه أنه نوع من الإستدلال (الإستنتاج). أنظر، الموسوعة الفلسفية العربية، (معهد الإنماء العربى: 1986)، ص. 59.
[11] Faruk, Pengantar Sosiologi Sastra dari Strukturalisme Genetik Sampai Post Modernisme, (Yogyakarta: Pustaka Pelajar, 1999), Cet III, hlm, 5.
[12] اختلف معنى الأدب عند العرب باختلاف العصور، فقصد به )1( التهذيب و الخلق، كقوله صلى الله عليه وسلم " أدبنى ربي فأحسن تأديبى" (عصر صدر الإسلام). )2( التعليم، اشتق منه بهذا المعنى " المؤدبون" الذين كانوا يلقون أولاد الخلفاء الشعر والخطب و أخبار العرب وأنسابهم وأيامهم في الجاهلية والإسلام (عصر بنى أمية). )3( التهذيب والتعليم معا، مثال ذلك:" الأدب الكبير والأدب الصغير" لابن المقفع (المتوفي سنة 142 ﻫ ) ( عصر العباسى). )4( كل المعارف غير الدينية التي ترقى بالإنسان اجتماعيا وثقافيا (إخوان الصفا في القرن الرابع للهجرة). )5( جميع المعارف دينية وغير دينية (ابن خلدون المتوفي سنة 808 ﻫ)، سنن السلوك التي يجب أن تراعى عند طبقة من الناس (منذ القرن الثالث للهجرة- أدب الكاتب لابن قتيبة). )6( كل ما ينتجه العقل والشعور (المعنى العام منذ منتصف القرن التاسع عشر). )7( الكلام الإنسائي البليغ الذي يقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين (الأدب الإنشئي، المعنى الخاص- منذ منتصف القرن التاسع عشر) )شوقى ضيف: العصر الجاهلى(. ويقابل الأدب بهذا المعنى الأدب الوصفي، وهو احدى الدراسات التي تدور حول الكلام واتجاهاته ونواحى الجودة فيه. وكان الأدب Literature في الغرب يتضمن ما يأتى: )أ( مجموع الآثار النثرية والشعرية بسمو الأسلوب وخلود الفكرة الخاصة بلغة ما أو بشعب معين. )ب( التراث المخطوط أو المطبوع الخاص بشعب ما أو بلغة معينة. )ج( كل ما كتب في موضوع معين كأدب الفلك أو الزراعة. )د( كل ما انتجه البشر مخطوطا كان أو مطبوعا. ويقصد بكلمة الأدب هنا بمعنى السابع وفي قسم الألف. أنظر، مجدى وهبة وكامل المهندس، ص. 16-17.
[13] ولا يماثل بدرلسة ماركسى الوضعية بإهمالها على أدبية صناعة الأدب. ويبقى الإعتماد على البنيوية لاستعمال مبادئها التي نفي بها الماركسيون، إنما يتم البنيوية الأصلية بإدخال عوامل التكوينية في تفهيم صناعة الأدب، والجنيتيكيى بمعنى أصول الأدب. أنظر، Iswanto, Penelitian Sastra dalam Perspektif Strukturalisme Genetik dalam Jabrohim, Metodologi Penelitian Sastra: Kumpulan Naskah, (Yogyakarta: PT. Hanindita Graha Widya, cet II, 2002), hlm. 59-60.
[14] Faruk, Pengantar Sosiologi Sastra dari Strukturalisme Genetik Sampai Post Modernisme, hlm. 12.
[15] نفس المرجع، ص. 12-21.
[17] Suwardi Endraswara, Metodologi Penelitian Sastra Epistemologi, Model, Teori dan Aplikasi,(Yogyakarta: Penerbit Pustaka Widyatama,2003), hlm. 60.
[18] Faruk, Pengantar Sosiologi Sastra dariStrukturalisme Genetik sampai Post Modernisme, hlm. 17.
[19] Burhan Nurgiyantoro, Teori Pengkajian Fiksi, (Yogyakarta:Gadjah Mada University Press, 2002), Cet IV, hlm. 67.
[20] مجدى وهبه وكامل المهندس، معجم المصطلحات العريبة في اللغة و الأدب (بيروت: مكتبة لبنان، 1974) الطبعة الثانية، ص. 396.
[21] توفيق الحكيم، عصفور من الشرق، (مكة: المطبعة النموذجية)، ص. 83-84.
[22] نفس المرجع، ص.98-99.